ونشأ عيسى عليه السلام في كنف أمه بعيدَيْن عن بيت لحم، في ربوة -بلدة مرتفعة- ذات استقرار وأمن، وماء معين.
قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50].
الربوة: المكان المرتفع. ذات قرار: ذات استقرار وأمن. معين: ماء طاهر صاف.
أما المراد من الربوة التي أشار إليها القرآن الكريم، فقد ذكر المفسرون فيه أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالربوة دمشق. وهذا القول مروي عن ابن عباس والحسن. كما رواه ابن عساكر وغيره.
القول الثاني: أن المراد بها الرملة من فلسطين.
القول الثالث: أن المراد بها بيت المقدس.
القول الرابع: أن المراد بها مصر.
وهذا القول يوافق ما جاء في إنجيل "متى" وإنجيل "برنابا" في قصة أورداها تتلخص: بأن هيرودس أمر بقتل كل طفل في بيت لحم، فأُمر يوسف النجار في منامه بأن يذهب بالطفل وأمه إلى مصر، فذهب بهما إليها، وأقاموا بها إلى أن هلك هيرودس، ولما هلك هذا الحاكم أُمر يوسف النجار في منامه أن يعود بالطفل وأمه إلى بلادهما، لأن اللذين كانوا يطلبون قتله قد هلكوا، فرجع بهما.
وكان عيسى حينئذٍ قد بلغ من العمر سبع سنين، وجاء بهما إلى اليهودية حيث سمع أن أرخيلاوس بن هيرودس هو الذي صار حاكماً في اليهودية، فذهب إلى الجليل لأنه خاف أن يبقى في اليهودية، وكانت إقامتهم في الناصرة، ونما في النعمة والحكمة أمام الله والناس. وإلى الناصرة ينسب النصارى.
-8 قالوا: ولمَّا بلغ عيسى عليه السلام اثنتي عشرة سنة من العمر، صعد مع أمه مريم وابن عمها يوسف النجار إلى أورشليم (بيت المقدس)، ليسجد هناك حسب شريعة الرب المكتوبة في كتاب موسى عليه السلام، ولما تمت صلواته تفقدوه فلم يجدوه، فانصرفوا إلى محل إقامتهم، ظانين أنه عاد مع أقربائهم، ولما وصلوا عائدين لم يجدوه، أيضاً، فرجعت أمه مع ابن عمها يوسف النجار إلى (أورشليم) ينشدانه بين الأقرباء والجيران، فلم يجدوه، وفي اليوم الثالث وجدوا الصبي عيسى في الهيكل وسط العلماء يحاجُّهم في أمر الناموس، وقد أُعجب كل الناس بأسئلته وأجوبته، وقالوا: كيف أُوتي مثل هذا العلم وهو حَدَث ولم يتعلم القراءة؟!
فلما رأته أمه مريم عنَّفته قائلة: يا بني ماذا فعلت بنا؟ فأجابها: "أَلاَ تعلمين أن خدمة الله يجب أن تقدم على الأم والأب"!! ثم نزل عيسى مع أمه وابن عمها يوسف النجار إلى الناصرة، قائماً بواجب البر والطاعة.
ويسكت التاريخ عما وراء هذه المرحلة من حياة عيسى عليه السلام، حتى بدأت نبوته ورسالته.
-9 قالوا: ولما بلغ المسيح عيسى عليه السلام من العمر ثلاثين عاماً، جاء إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام، واعتمد منه في الأردن، ثم نزل عليه روح القدس -جبريل عليه السلام- مثل حمامةٍ، ثم إنه بعد ذلك خرج إلى البرية، وصام فيها أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب.
قالوا: ولمّا علم المسيح عيسى عليه السلام بمقتل يحيى عليه السلام، جاء إلى الجليل وترك الناصرة، وسكن كفر ناحوم، وكان يعظ ببشارة ملكوت الله.
ونزل عليه الوحي بكتاب الله الإِنجيل، وبأحكام من الشريعة. قال الله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [المائدة: 46].
ومنذ ذلك الحين بدأت رسالة عيسى عليه السلام، وكان قد بلغ من العمر ثلاثين عاماً.
-10 وسار المسيح عليه السلام يدعو إلى الله بمثل دعوة الرسل، في مجتمع يهودي كثر فيه اليهود الخارجين عن دين الله وهم يزعمون أنهم على شريعة موسى، فيه انحرافات كثيرة عن الشريعة الربانية التي أنزلها الله على موسى، وأكدها الأنبياء والرسل الذين تتابعوا بعده من بني إسرائيل، كما دخلت إلى شريعتهم تحريفات كثيرة مسّت أصولها ونصوصها، وشروحها وأحكامها.
وأهاب عيسى ببني إسرائيل أن يرجعوا إلى دين الله ويخلصوا له في العبادة، ويصححوا ما دخل إلى شريعتهم من تحريفٍ وتبديل، وقام يبلغهم أوامر الله ونواهيه كما كلفه الله، ويبلغهم ما أُنزل عليه من أحكامٍ تشريعيةٍ جديدةٍ، ومنها تحليل بعض ما كان محرماً عليهم في شريعة الله التي أنزلها على موسى عليه السلام والرسل من بعده، من الأحكام التي عقوبة أنزلت بسبب ظلمهم. قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 160-161].
قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50].
الربوة: المكان المرتفع. ذات قرار: ذات استقرار وأمن. معين: ماء طاهر صاف.
أما المراد من الربوة التي أشار إليها القرآن الكريم، فقد ذكر المفسرون فيه أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالربوة دمشق. وهذا القول مروي عن ابن عباس والحسن. كما رواه ابن عساكر وغيره.
القول الثاني: أن المراد بها الرملة من فلسطين.
القول الثالث: أن المراد بها بيت المقدس.
القول الرابع: أن المراد بها مصر.
وهذا القول يوافق ما جاء في إنجيل "متى" وإنجيل "برنابا" في قصة أورداها تتلخص: بأن هيرودس أمر بقتل كل طفل في بيت لحم، فأُمر يوسف النجار في منامه بأن يذهب بالطفل وأمه إلى مصر، فذهب بهما إليها، وأقاموا بها إلى أن هلك هيرودس، ولما هلك هذا الحاكم أُمر يوسف النجار في منامه أن يعود بالطفل وأمه إلى بلادهما، لأن اللذين كانوا يطلبون قتله قد هلكوا، فرجع بهما.
وكان عيسى حينئذٍ قد بلغ من العمر سبع سنين، وجاء بهما إلى اليهودية حيث سمع أن أرخيلاوس بن هيرودس هو الذي صار حاكماً في اليهودية، فذهب إلى الجليل لأنه خاف أن يبقى في اليهودية، وكانت إقامتهم في الناصرة، ونما في النعمة والحكمة أمام الله والناس. وإلى الناصرة ينسب النصارى.
-8 قالوا: ولمَّا بلغ عيسى عليه السلام اثنتي عشرة سنة من العمر، صعد مع أمه مريم وابن عمها يوسف النجار إلى أورشليم (بيت المقدس)، ليسجد هناك حسب شريعة الرب المكتوبة في كتاب موسى عليه السلام، ولما تمت صلواته تفقدوه فلم يجدوه، فانصرفوا إلى محل إقامتهم، ظانين أنه عاد مع أقربائهم، ولما وصلوا عائدين لم يجدوه، أيضاً، فرجعت أمه مع ابن عمها يوسف النجار إلى (أورشليم) ينشدانه بين الأقرباء والجيران، فلم يجدوه، وفي اليوم الثالث وجدوا الصبي عيسى في الهيكل وسط العلماء يحاجُّهم في أمر الناموس، وقد أُعجب كل الناس بأسئلته وأجوبته، وقالوا: كيف أُوتي مثل هذا العلم وهو حَدَث ولم يتعلم القراءة؟!
فلما رأته أمه مريم عنَّفته قائلة: يا بني ماذا فعلت بنا؟ فأجابها: "أَلاَ تعلمين أن خدمة الله يجب أن تقدم على الأم والأب"!! ثم نزل عيسى مع أمه وابن عمها يوسف النجار إلى الناصرة، قائماً بواجب البر والطاعة.
ويسكت التاريخ عما وراء هذه المرحلة من حياة عيسى عليه السلام، حتى بدأت نبوته ورسالته.
-9 قالوا: ولما بلغ المسيح عيسى عليه السلام من العمر ثلاثين عاماً، جاء إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام، واعتمد منه في الأردن، ثم نزل عليه روح القدس -جبريل عليه السلام- مثل حمامةٍ، ثم إنه بعد ذلك خرج إلى البرية، وصام فيها أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب.
قالوا: ولمّا علم المسيح عيسى عليه السلام بمقتل يحيى عليه السلام، جاء إلى الجليل وترك الناصرة، وسكن كفر ناحوم، وكان يعظ ببشارة ملكوت الله.
ونزل عليه الوحي بكتاب الله الإِنجيل، وبأحكام من الشريعة. قال الله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [المائدة: 46].
ومنذ ذلك الحين بدأت رسالة عيسى عليه السلام، وكان قد بلغ من العمر ثلاثين عاماً.
-10 وسار المسيح عليه السلام يدعو إلى الله بمثل دعوة الرسل، في مجتمع يهودي كثر فيه اليهود الخارجين عن دين الله وهم يزعمون أنهم على شريعة موسى، فيه انحرافات كثيرة عن الشريعة الربانية التي أنزلها الله على موسى، وأكدها الأنبياء والرسل الذين تتابعوا بعده من بني إسرائيل، كما دخلت إلى شريعتهم تحريفات كثيرة مسّت أصولها ونصوصها، وشروحها وأحكامها.
وأهاب عيسى ببني إسرائيل أن يرجعوا إلى دين الله ويخلصوا له في العبادة، ويصححوا ما دخل إلى شريعتهم من تحريفٍ وتبديل، وقام يبلغهم أوامر الله ونواهيه كما كلفه الله، ويبلغهم ما أُنزل عليه من أحكامٍ تشريعيةٍ جديدةٍ، ومنها تحليل بعض ما كان محرماً عليهم في شريعة الله التي أنزلها على موسى عليه السلام والرسل من بعده، من الأحكام التي عقوبة أنزلت بسبب ظلمهم. قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 160-161].